نشرت الجماعات الإرهابية المتطرفة الصينية قبل حوالي أسبوع شريط فيديو تحت عنوان (أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) والذي توعدت من خلاله الصين بسفك "الدماء كالأنهار" فيها.
في هذا السياق وحول دور الحكومة الصينية لمواجهة الإرهاب بشكل عام، وخاصة هذه مجموعات التي هددت الصين مباشرةً ومدى تعاون الصين مع الحكومة السورية ولمعرفة المزيد حول هذه الجماعات، أجرت وكالة مهر للأنباء حواراً مع الكتاب والمحلل السياسي والخبير في قضايا الصين الأستاذ محمود ريا.
وقال محمود ريا إن الصين تعد لاعباً هاماً في الساحة السورية علناً ومن وراء الستار. من جانب الحكومة الصينية فإن مواقفها باتت واضحة تجاه القضية السورية من خلال الفيتوهات الستة التي اتخذتها في مجلس الأمن الدولي لمصلحة الحكومة السورية وفي مواجهة مشاريع القرارات التي كانت تعمل على إصدارها الولايات المتحدة والدول المعادية للحكم في سوريا، وطبعاً كان ذلك بالتعاون مع الفيتو الروسي. وفي مقابل دور الحكومة الصينية يوجد هناك عدد كبير من المقاتلين لدى التنظيمات المتطرفة الذين يحملون الجنسية الصينية بأعداد تتراوح بين خمسة آلاف وعشرة الآف حسب الأرقام المتوافرة لدى المصادر المعنية.
وأضاف أن هؤلاء هم من الإيغور وقوميات أخرى من الجالية المسلمة في الصين، الذين ينقسمون إلى فئتين: تنظيم الحزب الإسلامي التركستاني ومجموعة أخرى تنتمي إلى تنظيم داعش.
وأشار إلى أن القسم الأكبر هم من الايغور الذين يقيمون في منطقة شينغيانغ الواقعة في غرب الصين، وهؤلاء يشكلون ظاهرة لافتة على الأرض السورية من خلال وجودهم في تنظيم الحزب التركستاني الذي يضم عدداً كبيراً من المقاتلين الأقوياء، وكان لهذه الجماعة دور كبير في الكثير من العمليات العسكرية، سيما في شمال سورية وبالتحديد في منطقة أدلب، لافتاً الى ان هذا التنظيم قريب من جبهة النصرة وعلى الأغلب يقاتل ضمن هيئة تحرير الشام، وهناك خلافات أساسية بين هذا التنظيم والجماعة الأخرى التي تنتمي الى تنظيم داعش إلى حد حصول معارك شرسة بينهما.
ونوه الخبير في قضايا الصين إلى القلق الذي تشكّله هذه المجموعات لدى الحكومة الصينية باعتبار أنها تحمل الجنسية الصينية، إن كان من خلال وجودهم في سوريا أو من خلال إمكانية عودتهم إلى الأراضي الصينة بنفس الطريقة التي دخلوا من خلالها إلى سوريا، وهذا ما يدعو الحكومة الصينية إلى أن تعمل بشكل علني وسري على تطويق هؤلاء المقاتلين ومنع عودتهم إلى الأراضي الصينية.
وحول إمكانية حصول دخول عسكري للقوات الصينية إلى داخل الأراضي السورية لمحاربة هذه الفئات، قال محمود ريا: "من خلال متابعتي للقضايا والمستجدات الصينية، لم أجد مؤشراً لإمكانية حصول تدخل مباشر للقوات العسكرية الصينية في داخل الأراضي السورية في المستقبل، لا علنياً ولا من خلال لقاءاتي بمسؤولين و دبلوماسيين صينيين، سيما أن سوريا ليست بحاجة للجيش الصيني والجيش الصيني أيضا ليس مستعداً لذلك".
وأضاف محمود ريا أن الدعم الصيني للحكومة السورية بات أكثر علنيةً منذ أعلن رئيس مكتب التعاون العسكري الدولي الخاضع لإمرة اللجنة العسكرية المركزية الصيني الأدميرال غوان يوفي خلال زيارته لسورية ولقائه المسؤولين السوريين في آب/ أغسطس الماضي، عن تقديم مساعدات لوجستية وإنسانية وتدريبية للقوات السورية، ومعتبراً أن ما يحصل بالسر هو أكبر بكثير من ذلك.
وأشار إلى أن هذا الدعم الصيني لسوريا يعد مؤشراً على انخراط الصين داخل سوريا ولكنه انخراط بمستوى منخفض (low level) وليس بمستوى الدور الذي تلعبه روسيا في الساحة السورية.
وأضاف ريا: "أتوقع انخراطاً صينياً أكبر في الفترة المقبلة، سيما في حال أصبحت مشكلة الإيغور متفاقمة أكثر، فعندها ربما يمكن الحديث عن دور ما للقوات العسكرية الصينية".
وحول كيفية وقوع هذا السناريو المحتمل قال الخبير في قضايا الصين ان الإنخراط العسكري للصين قد يكون من خلال تفعيل مناوراتها على الشواطئ السورية، كالتي شهدناها قبل نحو عامين بمشاركة روسية، أم زيارة طواقمها للشواطئ السورية وتقديم الدعم للقوات السورية. واستبعد ريا دخول القوات العسكرية الصينية إلى داخل الأراضي السورية، مشيراً إلى أن الصين تريد الحفاظ على علاقاتها مع الدول العربية التي تحارب على الجبهة الأخرى مثل السعودية وغيرها من الدول العربية.
وحول دور تركيا في دخول ودعم الجماعات الصينية التي تمارس الإرهاب إلى الأراضي السورية، أضاف محمود ريا ان تركيا هي المعبر المباشر لدخول المجموعات المسلحة إلى داخل سوريا، ومن غير الممكن أن يتم ذلك بعيداً عن انظار الحكومة التركية والإستخبارات التركية بل إنه تم بشكل منظم وبتنسيق معها.
وأضاف أن الحزب الإسلامي التركستاني منذ دخوله وحتى الآن ما زال يحظى بدعم وحماية من الحكومة التركية بوجوده في منطقة ادلب شمال سوريا، مشيراً إلى أن هذا الدعم ليس فقط على صعيد سوريا بل يشمل نواة هذا الحزب الموجودة في منطقة شينغيانغ غرب الصين، وهذا الدعم معنوي ونفسي وقد يكون عسكرياً أيضا ولذلك هناك خلاف كبير بين الحكومة التركية والصين حول هذا الموضوع.
وفي هذا السياق لفت محمود ريا إلى أن المقاتلين الإيغور ليسوا جميعا من الذين أتوا مباشرةً من الصين، بل إن الكثير منهم جاءوا من تركيا، حيث كان هناك تحشيد لآف الأشخاص التركستانيين في تركيا لإنضمامهم لهذا التنظيم، ويذكر أن هذه الحملة كانت برعاية الحكومة التركية.
وأكد محمود ريا أنه في الوقت الراهن على ما يبدو فإن تنظيم داعش مغضوب عليه تركياً، ولكنه كان يحظى بدعم كبير عسكري واقتصادي من الحكومة التركية خلال السنوات الماضية ولكن الدعم الذي قدمته هذه الحكومة لداعش انقلب عبئا عليها.
وفي سياق العلاقات التي تجمع بين الصين والسعودية والتي في اللمحة الأولية نرى انها لاتتماشى مع الدعم الذي تقدمه الصين لمحاربة الإرهاب في سوريا قال محمود ريا لوكالة مهر للأنباء ان من الغير ممكن ان تقطع الصين علاقاتها بلمملكة العربية السعودية لأن هناك رابط اقتصادي قوي جدا بين هاتين الدولتين اعتباراً بأن السعودية تتربع على عرش الدول التي تصدّر النفط إلى الصين بشكل شبه دائم، كما أن السعودية سوق ضخمة للبضاعة والسلع الصينية.
ولكن من جهة اخرى هناك مصالح استراتيجية للصين ايضا وانها مناهضة لتوجهات السعودية في المنطقة سيما في خصوص الإزمة السورية وفي بعض المفاصل تتحول هذه المصالح إلى مصالح حيوية، ولذلك فإن بكين غير مستعدة للتضحية بهذه المصالح مقابل أي بدل مادي أو معنوي.
مضیفا ان موضوع مكافحة الإرهاب بات یشکل هماٌ حقيقياً للصين، ومن الطبيعي أن تقف الحكومة الصينية إلى جانب الحكومة السورية في هذا الصراع سيما أن انتصار هذه المجموعات على الحكومة السورية سيعطيها القدرة على مدّ ذراعها الإرهابية إلى داخل الصين. من هنا فإن الصين توازن بين علاقاتها مع السعودية وبين مصالحها الحيوية في المنطقة، وليس في هذا أي تناقض./انتهى/.
أجرت الحوار: مريم معمارزاده
تعليقك